يوميّات ورّاق

صفحة ـ2،3ـ

كان قلّما ينام في الظلام، فثمة مصباح صغير خافت دوما، يلوذ بضوئه بين الغفوة و الأخرى. قام إلى علبة السجائر على المنضدة قرب باب المنور الملحق بغرفته، فتح الباب ملتقطا ولاعته، دخل المنور و أشعل السيجارة، اخذ يدخن و يستذكر تفاصيل الحلم. لم يكن أيٌّ من الوجوه مألوفا حتى من توهمه صديقا قديما. عاد إلى المنضدة يسجل ما جرى و قد بدأ في السعال، ورأى و هو يمد يده إلى علبة المناديل، أن كم كان الألم الموقظُ نهايةً تستبطن أنفاسا نافلة. كان الفجر، و كان يصلّي، لكنه آثر التلكّؤَ، وهو يتفحص نقطا غامضة تركها السعال في المنديل، متأملا، في تصاريف لا تسعف، على شفا ورقةٍ، جلبةً بيضاء؛ في دروب يسدّها توقُ الوصول.. اختبار مفتوح، خلفية سائقة، حذو القلق المهرول خلف أنفاسٍ قصيرة.. لحظاتْ، بقيةٌ دائرةٌ و سؤال، عن يومياتٍ ترفو شعرةً بين ضدّين، عن جدولٍ يمتحن فراغاته، عن ومضةٍ في صندوق مرايا؛ عوالقَ تخلط تَمَايُزَ اللون، وضوحَ الحد، و قُوامَ الحاصلِ من الخسران.
إتّجه إلى الغلاية قرب باب المنور. صنع كوبا من النسكافيه. أشعل سيجارة أخرى في المنور و طفق ينظر فوقه إلى أولى علامات الصباح الربيعي، منصتا وهو يدخن و يرتشف، إلى صدىً بائسٍ كان فيما ما مضى هزيما لا ينفك عن لومه و تقْريعه على مدار الساعة. صار باهتا ذلك الصوت، يائسا، مستسلما، لخواءٍ يستخفّ ظلاله، لذهولٍ تطمره العادات، لمُتَناوَلٍ، تُخْطِئُه يدٌ لا تحتملها أناً. كان مفتوح العينين على مشهد، يلتئم، كأنما عبر فرجات تترجرج بين غصون كثيفة. اشتباكاتٌ حميمة تنفض، إلحاح توقعات لا يُطاق حدوثها. مكتفيا بشرارات تفلت من الغفلة، و أن تلْسَع الأرضُ قدمَ حضور. شيئا فشيئا بعد عَبْرةٍ سكرى يتماسك موطئُها، ليحوز حَرَوناً فيما يَخَاله دوما أول المشوار.. ليت به ما يغني عن آخره.
مفرداتٌ تقيم مفردةً مائلة، في قاموس ينفرط على وعكة. تحت البطانية كان يسبر مغرقه لعل يداً أو طوقا أو غطيط. جولات تحتكم إلى رمقٍ، يصد الكآبة و النوم. انهماكات تتوازن، بعضها يزمّ، و بعض يغترف من البدد، في الأفق المواِلف بين عالمين.. على القائمة بين درجتين.. في مسافة تذيب الوحشتين.. في سكنة بين نبضتين، خرزتين، خيطين، نسيجين؛ يتنشق روحا بين ميتتين.ـــ

By A. R. Jwailie

A son of a carpenter who inherited the craft, and had to quit the job.

Leave a comment

Design a site like this with WordPress.com
Get started