من البكتريا الى باخ

From Bacteria to Bach and Back
Review from The Telegraph

 عبداللطيف رضوان -ترجمة غير منقحة

هل ثمة شيء حقيقي؟ و إذا لم يكن،  ففي حلم من، نحن؟ الفيلسوف   Daniel Dennett  حول  لغز  الوعي.

هل باستطاعة الواقع الافتراضي ان يتضمن اكثر من حالم واحد؟”  كينو ريفز حول الفيلم المومسي فلسفياً The Matrix (1999)

 في كتابه الجديد من البكتريا الى باخ و بالعكس   “From Bacteria to Bach and Back” يتسائل الفيلسوف دانييل دينّيت، كيف نشأ الوعي الانساني –  و لأي شيء هو…  جين أو غرادي   Jane O’Grady تدرس حالته..

     … الماء هو   يد₂أ، الحرارة هي حركة الجزيئات، و عبر الزمن، يزعم بعض الفلاسفة و العلماء، نحن سنكون قادرين بطريقة مشابهة على ان نقول ان الوعي هو  xyz. المشكلة هي، أننا واعون حسيا بالماء و الحرارة، و واعون مفهوميا بالغازات و الجزيئات -لكن أي ضرب من المتاع يمكننا ادراكه او تصوره في حالة الوعي؟  بمعنىً ما، نحن نعلم مُسبقا المكونات الفيزيائية اللاواعية  للوعي: الخلايا العصبية.  ما لا نعرفه، و ننكص دونه مفهوميا، هو كيف أن ترابطاتها و شراراتها يتم تحويلها إلى: احساس بالحرارة، شعور بالنقمة، قرار بمغادرة الحفلة، تخيلِ حمار أو اضافة فاتورة؛ تجلٍ يماثل في سحره تجسّد الجنّي من مصباح  علاء الدين.

 وفقا الى الفيلسوف الامريكي دانييل دينيت، فإن مشكلة التحول العصبي-العقلي ليس لها ان تبرز الى الوجود. أو، بالاحرى، ” الفجوة الشارحة” التي لا يمكن تشييد أي جسر عليها، ما هي الاّ ابتلاء ذاتي “لجرح ديكارتي” الذي، و بعد 400 سنة تقريبأ، دينيت ينبري لشفاؤه. ديكارت شكّ فيما اذا كان أي شيء موجود، ثم استنبط ان شيئا ما ينبغي ان يقوم بهذا الشك، و لذلك يجب ان يُوجد (ديكارت نفسه). و لكن في تأسيس العقل الواعي القطعي اللاشك فيه، قام بفصله عن العالم الفيزيائي اللاواعي “الخارجي”، و، يقول دينيت، انحرف بالمسألة منذ مطلعها.لذا انت تعلم انك لست ‘زومبي’، هو يطالب هنا على نحو هَجّائي. “لا، انت لا تفعل. الداعم الوحيد لذلك الايمان الراسخ هو شدّة و توقّد ذلك الايمان نفسه.” بعيدا عن كونه ”  ‘ذو امتياز’، فان وصولنا الى تفكيرنا الخاص في حقيقته، ليس بأحسن حالا من وصولنا الى عملياتنا الهضمية”.الوقائع العقلية هي “أوهام مستخدم”، مثل الأيقونات على شاشات الكومبيوتر، نسبةً الى كل التجهيزات hardware  التي تعمل داخل ادمغتنا. “نحن لا نرى، و لا نسمع، و لا نشعر بميكنتها العصبية المعقدة المُزبدة في اضطرابها و اهتياجها”، و لكن علينا ان نتفق على “نتاجها الثانوي الاستعاري”.

بالضبط كما نتعرف على الناس الآخرين عن طريق رؤيتهم، الاستماع او القراءة عن ما يفعلون او يقولون، كذلك نحن نتعلم عن انفسنا من خلال ملاحظة افعالنا و اقوالنا. ” شيء ما يبدو كأنه أنا” هو ثمة، لو بأيّة حال فقط يُبدى للعيان ” لأننا نُخبر الناس الآخرين و أنفسنا عن ما نبدو عليه نحن”.

مثلما لدى ” الكواليا  qualia  ” (تلك المشاعر الداخلية الخام -التي لا يمكن التعبير عنها- حيال ما ندركه خارجنا)، هي لها فقط لو كانت موجودة، أن “تضاعف الشغل الذهني اللازم بذله”. هي لها ان تتطلب ان يتم ادراكها في “مسرح ديكارتي” داخل ادمغتنا، و من ثم ادراكها بماذا، يتسائل دينيت. بالنسبة اليه،” اللغز الحقيقي هو’بأي شيء يتعلق الوعي (سيان ما كان)؟’ ”خلال الدهور، تطور الانسان من كونه جهاز من “مجرد اعضاء كفؤة” الى كونه ” مستوعب لضروب الأشياء و الطبائع”. لكن الوعي ليس مهماً للاستيعاب. انظر الى اجهزة الكمبيوتر.

يستحضر دينيت تحديد  Wilfrid Sellars بين “الصورة العلمية scientific image” ( ما هو عليه كل شيء حقا) و “الصورة البيانية manifest image” (الالوان، الاصوات، مغيب الشمس، رماد الاشجار، المال، الزواج، الارادة الحرة و الموسيقى،… التي تبنيها ادراكاتنا و اعرافنا). اخيرا، فإن تطابقات احوالنا العقلية الخاصة “بصورتنا البيانية” سيتم صفّها و رصفها حذو بِنى ” الصورة العلمية” العصبية و المناسبات التي توّلدها فعلا. لكن من او ما هم او هو “نحن”؟ “المستخدم الختامي لنظام تشغيل،” يجيب دينيت. لذا، وعيٌ واحد على الأقل ثمةَ موجود؟ [إما وعي النظام أو وعي دينيت!؟ -المترجم] و بالتأكيد يجب ان يكون، لأنه يقول ان “نحن” افضل حالا في توقّع سلوك البشر (و حتى بعض الحيوانات الغير بشرية و الآلات) حينما نتعامل معها على انها لديها مبررات ذات معنى في سلوكها. هذا بعض من “نقضه السيكولوجي” المتبجّح، على أي حال، لجعل هذا “الموقف المقصود” يبدو غير مسوَّغ، و محض براغماتيكي. علاوة على ذلك فان ايّا من يتبناه هو بالضرورة حساس و عاطفي ساذج عقلانيا تماما كمن يتسامر مع غيره؛ أناني- مذهب الأنانة- solipsist؟

كذلك، الا ينبغي ان يكون هناك العديد من مشغّلي النظام في “الصورة البيانية” بحيث “نحمل انفسنا الى الانشغال فيها”؟ يستعمل فيلم  The Matrix  مقدمة منطقية داعرة، تتجاهل بدهاء أن، مثلما في الحلم،  الواقع الافتراضي لا يأوي الا مشاهد واحد؛ التفاعلات مع “البشر” الآخرين ستكون كلها “في الرأس”؛ الجرائم ستكون كلها من غير جثث؛ كل حالات الحمل هي مجرد سراب.

بالنسبة الى دينيت، ايضا، ثمة حاجة الى فضاء عمومي، او  الى وسط إيصال جماهيري، فيه، كما في العاب الكمبيوتر، “أوهام المستخدم” يمكن الوصول اليها بصريا عن طريق عيون فيزيائية خارجية. بالطبع، هو يقول انها ثمة، بحيث أننا نقطن كلي الصورتين العلمية و التبيانية، و لكن كيف يستقيم ذلك؟ كيف ان الصورة البيانية (التي تشتبه بكونها  quqlia-like  -عسيرة ان لم يستحيل التعبير عنها) لها ان تكون بيان جماهيري لنا نحن مشاهدي الصور، حتى و ان كان لدينا قدم واحدة في الصورة العلمية؟

يزعم دينيت ان “الشروط لــ… الوسيط البيني [الرابط بين تجهيزات الكمبيوتر -هنا، و مستخدمه] و هذا المستخدم” قد تطورت، بفضل “ال   memes”. ال meme(المفهوم من خلق Richard Dawkins) هو عنصر ثقافي (الوشوم، الاغاني، العبارات الشعارية) التي تنتقل من فرد ما الى آخر اما بالعدوى (التقليد) او، بطريقةٍ مشابهة للجينات، بمضاعفة و بث ذاتها من جيل الى آخر. يتعامل دينيت مع الmemes على انها الكلمات، و التي هي بدايةً لُفظت عن طريق البشر من دون ان تعني أي شيء (“كفاءة من دون استيعاب”)، و التي تدريجيا، حيث كلمة ما “تريد من نفسها ان تكون ملفوظة”، اجتاحت الادمغة البشرية بالضبط مثل الفيروسات (دائما بطريقة مفيدة) تجتاح الاجسام البشرية و تعيد انتاج نفسها داخل  -وعبر الاجيال.علاوة على ذلك تتركب الجينات من DNA، الذي هو جزء عضوي من الجسم البشري و ليس في حاجة الى اجتياحه، و الفيروسات هي كيانات عضوية. ماهي المقومات الكيميائية للكلمات؟ نحن نعلم عن” لا شيء مثل هذه ال (علاوة على ذلك – yet) في التمثيل الفيزيائي لل memes”  ، يقول دينيت. هذا يفترض اننا نحن من سيقول ذلك. [!]كلمة ما في ذاتها هي ليس لها معنى، مع ذلك، لهذا يقول دينيت مثل (Dawkins)   دوما جاعلا من الmemes افكارا، عوضا عن كلمات. لكن الافكار لا تخدمه ايضا. ايُّ ضرب من الوحدات المقيَّدة، المنفصلة تكون هي؟ دينيت يذكّرنا بطريقة انتقادية حادة بان الافكار ليست تحتاج ان تُمتلك “to be had” اختباريا بواسطة فرد ما؛ هي عمومية و لاشخصية. وهذا صحيح عندما ترجع “فكرة” ما الى عنّية -حولية “aboutness”، موضوعية، مفهومية  (“طيور ال Finches في جزر الغالابوس لديها مناقير ذات اشكال مختلفة”) لكن هذا غير صحيح عندما ترجع الى حدث وحيد لا يتكرر one-off، حدث ذاتي عقلي  – داروين يفكر في هذه الفكرة!دينيت يقوم بالضبط بالخطأ الديكارتي من خلط “الفكرة” كوعاء و حادثة مؤقتة مع “الفكرة” كمحتوىً متاح للعموم، لازمني احتمالا لنفْس الوعاء. او ربما هو يقايض بالالتباس ليجعل النظرية تبدو ملائمة عن ان “سلاسل الجيشان العصبي neuronal spike chains  ” تؤلف تتابعات المعلومات. و لكن، من، في عالم الدخان و المرايا هذا، تقوم هذه المعلومات باعلامه؟ على اي حال، اليس كامل هذه النظرية عن الmemes هو meme في حد ذاته.

دينيت هو واحد من “رجال الخيل الاربعة للالحادية”، لكن عدْوَهُ مفرط على نحو غير مجد. الفلسفة قتلت الاله منذ عصور. اعتدائه الوحشي على النفس، على اي حال، يلوح و كأنه يأسرنا في منحنىً لموباس Möbius، دُواري مشوش كأعمال إيسخر  M C Escher . نحن كذلك، على نحو جلي، “ضيوف على ادمغتنا الخاصة”، و هو يريد أن يطردنا.

From Bacteria to Bach and Back, by Daniel Dennett445pp, Allen Lane, £25, ebook £12.99. To order a copy from the Telegraph for £20,visit books.telegraph.co.uk

By A. R. Jwailie

A son of a carpenter who inherited the craft, and had to quit the job.

Leave a comment

Design a site like this with WordPress.com
Get started